Battery used Battery charging

مبهور بكفاءة الطاقة

التركيز على كفاءة الطاقة يجعل نمط الحياة الحالي غير قابل للنقاش

View original image View dithered image

التركيز على كفاءة الطاقة يجعل نمط الحياة الحالي غير قابل للنقاش. ولكن، لتفادي التغيّر المناخي وتخفيف الإعتماد على الوقود الأحفوري، ينبغي تبديل هذا النمط.

سياسة كفاءة الطاقة

كفاءة الطاقة ركن أساسي في سياسيات تخفيف إنبعاثات الكربون والإعتماد على الوقود الأحفوري في الدول الصناعية. وضع الإتحاد الأوروبي على سبيل المثال، هدف توفير 20% من إستهلاك الطاقة من خلال كفاءة الطاقة بحلول سنة 2020، و30% بحلول سنة 2030 من خلال عدّة إجراءات كـ: الشهادات الإلزامية بكفاءة الطاقة للمباني، المعايير للكفاءة الدنيا وتصنيف عدّة منتجات كالغلّايات، الأدوات الكهربائيّة المنزليّة، الإضاءة والتلفزيونات، ومعايير أداء الإنبعاثات للسيارات.1

يملك الإتحاد الأوروبي سياسة كفاءة الطاقة الأكثر تقدميّة، كما أنّ العديد من الدول الصناعية الأخرى بما فيها الصين تتخذ إجراءات مماثلة. على المستوى العالمي، تؤكّد الوكالة الدوليّة للطاقة إنّ “كفاءة الطاقة ركن أساسي في تأمين نظام طاقة آمن، موثوق، بسعر معقول ومستدام للمستقبل”.2 أطلقت الوكالة سنة 2011، 450 سيناريو للحدّ من كثافة ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي بحدٍّ أقصاه 450 جزء بالمليون كحدّ أقصى. تُعادل زيادة كفاءة الطاقة 71% من تخفيضات الكربون المتوقعة بحلول 2020، و48% بحلول 2035. [^2 3

ما هي النتائج؟

هل تؤدّي فعلًا التحسينات في كفاءة الطاقة إلى التوفير بالطاقة؟ للوهلة الأولى، قد تبدو فوائد الكفاءة مبهرة. فعلى سبيل المثال تحسّنت كفاءة طاقة الأدوات المنزليّة الكهربائيّة الخاضعة لتوجيهات الإتحاد الأوروبي بشكلٍ ملحوظ خلال السنوات الـ15 الفائتة. بين 1998 و2012، أصبحت البرّادات والثلّاجات أكثر كفاءة بـ75%، الغسّالات 63%، النشّافات 72%، الجلّايات 50%. 4

رغم زيادة كفاءة هذه الأدوات، ومقارنة بين عام 2000 و2015، لم ينخفض إستخدام الطاقة في الإتحاد الأوروبي سوى انخافضًا طفيفًا (1627 مقابل 1730 مليون طن من معادل النفط). علمًا أنّ الأزمة الإقتصادية عام 2007 قد تكون من العوامل التي أدّت إلى هذا الإنخفاض (المحدود) باستخدام الطاقة. بالفعل، وبعد عقود من النمو المتواصل، إنخفض إستخدام الطاقة في الإتحاد الأوروبي قليلًا بين 2007 و2014، ليرتفع مجدّدًا عامي 2015 و2016 مع عودة النمو الإقتصادي. 1

على المستوى العالمي، إستمرّ ازدياد استخدام الطاقة بمعدّل 2,4% سنويًّا 3 أيّ بضعف معدّل النمو السكاني. علمًا أنّ مصادر الطاقة الحديثة متاحة لحوالي نصف سكّان الأرض بشكل محدود أو معدوم. 5 في الدول الصناعية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي، تضاعف استخدام الطاقة للفرد بين عامي 1960 و2007. 6

آثار إرتداديّة؟

لماذا لم تؤدِّ التحسينات في كفاءة الطاقة إلى التخفيف من الطلب عليها؟ يفسّر معظم النقّاد هذه الظاهرة بما يسمّى “الآثار الإرتداديّة”، التي أُشير إليها أول مرة في القرن التاسع عشر. 7 وِفقًا لحُجّة الإرتداد، إنّ تحسين كفاءة الطاقة يُشّجع على إستخدام أكبر للخدمات التي تؤمّنها هذه الطاقة. 8 على سبيل المثال، لم يؤدِّ التطور في أضواء الحالة الصلبة (الصمّامات الثنائية المضيئة LED) الأكثر كفاءة بـ6 أضعاف من المصابيح الوهّاجة التقليدية إلى التخفيف من حاجة الطاقة للإضاءة. على العكس، أدّى ذلك إلى إضاءة أكثر بـ6 أضعاف. 9

وقد تكون الآثار الإرتداديّة في بعض الحالات، كبيرة بحيث تؤدّي إلى زيادة إجمالية في إستهلاك الطاقة. 8 كما أنّ التحسين في كفاءة الرقائق الإلكترونيّة عجّل إستخدام الحواسب. يتخطّى إستخدام حواسب اليوم الكُلّي للطاقة إستخدام الطاقة الكُلّي لأجيال الحواسب السابقة التي عملت برقائق إلكترونيّة أقل كفاءة. كما أنّ تحسينات كفاءة الطاقة لفئة منتجات معيّنة قد تؤدّي إلى زيادة في إستخدام الطاقة في فئاتٍ أخرى، أو خلق فئات منتجات جديدة كليًّا.

على سبيل المثال، يمكن لشاشات الصمّامات الثنائية المضيئة (LED) ذات كفاءة الطاقة الأعلى من شاشات الكريستال السائل (LCD) أن تخفّف من إستخدام التلفاز للطاقة. ولكنها أدّت أيضًا إلى ظهور لوحات الإعلانات الرقميّة التي تستهلك كميّة ضخمة من الطاقة رغم إستخدامها لمكوّنات كفوءة. 10 إضافةً إلى ذلك قد تُصرف الأموال التي وُفّرت من تحسينات كفاءة الطاقة على منتجات وخدمات أخرى تستخدم الكثير من الطاقة وهو ما يُعرف بالأثر الإرتدادي غير المباشر.

أبعد من حُجّة الإرتداد

يتجاهل الإتحاد الأوروبي والوكالة الدوليّة للطاقة الآثار الإرتداديّة ممّا يفسّر جزئيًّا سبب عجز النتائج عن بلوغ التوقعات. يناقش الأكادميّون بشدّة بين بعضهم حجم الأثر الإرتدادي. في حين يُحاجج البعض أنّ “الآثار الإرتداديّة عادةً ما تُزيل أو تعوّض على مدخرات الطاقة الناجمة عن التحسين بكفاءة الطاقة” 3 ، يُشدّد البعض الآخر أن الآثار الإرتداديّة “أمست إلهاءً” نظرًا لضآلتها نسبيًّا: “تُنقِص الإستجابات السلوكيّة 5-30% من مدخرات الطاقة المقصودة، وتصل إلى 60% كحدٍّ أقصى عند مزجها مع آثار الاقتصاد الكُلّي – كفاءة الطاقة توفّر الطاقة”. 10

ينسب أولائك الذين يقلّلون من شأن الآثار الإرتداديّة نقص النتائج إلى حقيقة أنّنا لا نحاول بشدّة كافية: “ما زالت العديد من الفرص لتحسين كفاءة الطاقة تضيع”. 11 البعض الآخر يسعى إلى تحسين سياسة كفاءة الطاقة. يقضي أحد الحلول بتوسيع الإطار المرجع من خلال إعتماد المحلّلين على كفاءة الأنظمة أو المجتمعات بأكملها بدل المنتجات الفرديّة. يرى هذا الرأي أن كفاءة الطاقة غير مُصاغة بكُليّة كافية، وغير مزوّدة بسياقٍ كافٍ. 11 12

ولكن بعض النقّاد يذهبون خطوةً أبعد وبرأيهم أن سياسة كفاءة الطاقة غير قابلة للإصلاح. فهم يحاجِجون أن المشكلة بكفاءة الطاقة أنها تُعيد إنتاج وتؤسّس لأنماط حياة غير مستدامة على المدى الطويل. 11 1

كون موازي

تُقَدَّم عادةً الآثار الإرتداديّة على أنها عواقب “غير مقصودة”، ولكنها النتيجة المنطقيّة للتجريد الضروري للتعريف عن وقياس كفاءة الطاقة. حسب لورنز لوتزنهايزر، باحث في جامعة ولاية بورتلاند في الولايات المتحدة، إنّ سياسية كفاءة الطاقة مجرّدة من ديناميكيّات الحياة اليومية لإستخدام الطاقة لدرجة أنها تعمل في “كونٍ موازٍ”. 13 في بحثٍ أحدث، عنوانه ما خطب كفاءة الطاقة؟، تكشف الباحثة البريطانيّة إيليزابث شوف هذا “الكون الموازي”، مستنتجةً أن لدى سياسات الكفاءة “نتائج عكسيّة” وهي “جزء من المشكلة”. 11

حسب بعد النقّاد، لدى سياسات الكفاءة “نتائج عكسيّة” وهي “جزء من المشكلة”.

في البداية، يفسّر الكون الموازي لكفاءة الطاقة “مدخرات الطاقة” بطريقة غريبة. عندما يُعلن الإتحاد الأوروبي أنّه سيحقّق 20% “مدخرات بالطاقة” بحلول عام 2020، لا تُعرَّف “مدخرات الطاقة” كتخفيض في إستهلاك الطاقة الفعلي مقارنةً بالأرقام الحالية أو السابقة. بالفعل، سيبيّن تعريف كهذا أن كفاءة الطاقة لا تخفّض إستخدام الطاقة على الإطلاق. عوضًا عن ذلك، تُعرَّف “مدخرات الطاقة” بالتخفيضات مقارنةً بإستخدام الطاقة المتوقّع عام 2020. تُقاس هذه التخفيضات عبر تحديد كميّة “الطاقة المُتَجَنَبَة” – أو موارد الطاقة الغير مستخدمة بسبب التحسينات في كفاءة الطاقة.

حتى ولو تحقّقت جميع “مدخرات الطاقة” المتوقّعة، فإنّها لن تؤدّي إلى تخفيف الطلب على الطاقة بالمُطلق. يُحاجج الإتحاد الأوروبي أن التحسينات في كفاءة الطاقة “ستُعادل تقريبًا إيقاف 400 معمل كهرباء”، ولكن بالحقيقة لن يُطفأ معمل كهرباء واحد عام 2020 بسبب التحسينات في كفاءة الطاقة. عوضًا عن ذلك وبحسب المنطق المطروح، كان سيُضطر الإتحاد الأوروبي إلى بناء 400 معمل كهرباء إضافي بحلول سنة 2020، لولا التحسينات في كفاءة الطاقة.

بالإعتماد على هذه المقاربة، يُعامل الإتحاد الأوروبي كفاءة الطاقة كوقود، أو كـ"مصدر طاقة بحدّ ذاته". 14 تذهب الوكالة الدوليّة للطاقة أبعد من ذلك عند ادّعائها أنّ “الطاقة المُتَجَنَبَة للدول الأعضاء في الوكالة عام 2010 (الطاقة المولّدة من الإستثمارات العائدة لفترة ما بين 1974 و2010)، أكبر من الطلب الفعليّ المُلبّى بأي مورد آخر من جانب التزويد، بما فيه النفط، الغاز، الفحم، والكهرباء”، ممّا يجعل كفاءة الطاقة “أكبر أو أوّل وقود”. 15 11

قياس أمر غير موجود

إن مُعاملة كفاءة الطاقة كوقود وقياس نجاحها من ناحية “الطاقة المُتَجَنَبَة” غريب للغاية. فهي تقوم على عدم استخدام وقود غير موجود. 13 علاوةً على ذلك، مع زيادة إستخدام الطاقة المتوقّع عام 2030، ستزيد كميّة “الطاقة المُتَجَنَبَة”. من ناحيةٍ أخرى، لو كان استخدام الطاقة المتوقّع عام 2030 أصغر من حجمه اليوم (أي نخفف استخدام الطاقة)، ستُصبح “الطاقة المُتَجَنَبَة” سلبيّة.

على سياسة الطاقة التي تسعى نحو تقليل إنبعاثات الغازات الدفيئة والإعتماد على الوقود الأحفوري أن تقيس نجاحها من خلال تخفيف إستخدام هذا الوقود الأحفوري. ولكن عند قياس “الطاقة المُتَجَنَبَة”، تقوم سياسة كفاءة الطاقة بالعكس تمامًا. فلأنّ استخدام الطاقة المتوقّع أكبر من استخدام الطاقة الحالي، تجعل سياسة كفاءة الطاقة زيادة إستخدام الطاقة الكُلّي أمرًا مفروغًا منه.

ثمّة مبدئٍ أساس آخر من سياسة التغيّر المناخي – وهو إزالة إنبعاثات الكربون لمصادر الطاقة من خلال التشجيع على استخدام معامل الطاقة المتجدّدة – يُعاني من العيوب نفسها. فلأنّ زيادة الطلب على الطاقة الكُلّي يفوق النمو بالطاقة المتجدّدة، لا تُزيل معامل إنتاج الطاقة بالشمس والريح فعلًا إنبعاثات الكربون الناجمة من تزويد الطاقة. هذه المعامل لا تستبدل معامل إنتاج الطاقة بالوقود الأحفوري، ولكنها تساعد على استيعاب طلب الطاقة المُتنامي. يُمكن الترويج للطاقة المتجدّدة فقط عبر اللجوء إلى مبدأ “الإنبعاثات المُتَجَنَبَة”. 16

ما هو الأمر المُعتبر كفوأً؟

وِفق دراسة ما خطب كفاءة الطاقة؟، تبيّن إيليزابث شوف أنه يتمّ اختصار مبدأ كفاءة الطاقة بمبدأ “الطاقة المُتَجَنَبَة”. إنّ الكفاءة هي تقديم خدمات أكثر (حرارة، ضوء، نقل,…) مقابل نفس كميّة الطاقة، أو تقديم الخدمات نفسها مقابل كميّة طاقة أقل. بالتالي، تعتمد الخطوة الأولى في التعرّف على التحسينات على تحديد ما هو “خدمة” (ما هو الأمر المُعتبر كفوأً؟) وعلى تحديد كميّة الطاقة المعنيّة (كيف تُعرف “الطاقة الأقل”؟). يحتاج تحديد مرجع نقيس من خلاله “مدخرات الطاقة” إلى رسم حدود زمنيّة أيضًا (أين تبدأ الكفاءة وأين تنتهي؟). 11

إنّ حُجّة شوف الأساسية هي أنّ رسم الحدود الزمنيّة (أين تبدأ الكفاءة وأين تنتهي؟) تُحدّد تلقائيًّا “الخدمة” (ما هو الأمر المُعتبر كفوأً؟), والعكس صحيح. ذلك لأنّه يمكن تعريف وقياس كفاءة الطاقة لو كانت مُستندة على معادل للخدمة فقط. تُركّز شوف على التدفئة المنزليّة، ولكن وجهة نظرها صالحة لكل التكنولوجيا الأخرى. على سبيل المثال، كانت طائرات الركّاب تستخدم بمعدّل 8 ليتر وقود لنقل راكب واحد مسافة 100 كلم عام 1985 لينخفض الرقم إلى 3.7 ليتر اليوم.

بالتالي يّقال لنا أن كفاءة الطائرات تضاعفت. ولكننا نكتشف بمقارنة إستخدام الوقود اليوم بما عليه عام 1950 بدل 1985، أن الطائرات لا تستخدم وقود أقل على الإطلاق. إستُبدلت الطائرات العاملة بالمراوح في ستينات القرن الماضي بالطائرات النفّاثة الأسرع بمرتين ولكنها بالأصل تصرف ضُعف كميّة الوقود. بعد 50 عامًا فقط، أصبحت الطائرات النفّاثة بنفس “كفاءة” (من حيث استهلاك الطاقة) آخر طائرة عاملة بالمراوح من الخمسينات. 17

يتلاشى مبدأ كفاءة الطاقة كُليًّا عند النظر إليه وهو في سياقٍ تاريخيٍّ أوسع.

بالتالي، ما هي المدّة الزمنيّة التي يمكن مقارنة كفاءات الطاقة على أساسها؟ هل نأخذ الطائرات العاملة بالمراوح بعين الإعتبار أم نتجاهلها؟ تعتمد الإجابة على تعريف مُعادل الخدمة فنُلحق الطائرات العاملة بالمراوح بالمقارنة لو كانت الخدمة مُعرّفة بالـ"الطيران". ولكن تعريف الخدمة بـ"الطيران على سرعة 1000 كلم/ساعة تقريبًا" سيتجاهل المراوح ويُركّز على المحرّكات النفاثة. غير أن التعريف اللّاحق يصف خدمة تستهلك كميّة طاقة أكبر.

ولو عدنا أكثر بالزمن إلى الخلف، لوجدنا أن الناس في مطلع القرن العشرين على سبيل المثال لم تطر على الإطلاق ممّا يجعل مقارنة استهلاك الوقود للراكب بالكيلومتر بلا معنى. يمكن ملاحظة الأمر نفسه للعديد من التكنولوجيّات أو الخدمات التي أصبحت “أكثر كفاءة”. لو نظرنا إليها في إطار تاريخي أكبر، لوجدنا أن مبدأ كفاءة الطاقة يتلاشى كليًّا وذلك لأنّ الخدمات غير متساوية أبدًا.

يُمكن إثبات ذلك في زمنٍ أقرب. على سبيل المثال، عند حساب كفاءة الطاقة للجوالات الذكيّة, لا تُأخذ “الجوالات الغبيّة” بعين الإعتبار. تلك الجوالات تستخدم كميّة أصغر بكثير من الطاقة وهي شائعة منذ أقل من عقد.

ما هي كفاءة حَبل الغسيل؟

تتجاهل سياسية كفاءة الطاقة العديد من البدائل ذات الإستهلاك الخفيف للطاقة بسبب الحاجة إلى مقارنة “المثل بالمثل” وإقامة مُعادل للخدمة. غالبًا ما لدى هذه البدائل التي تستهلك القليل من الطاقة تاريخ طويل ولكنها ما زالت مهمة في سياق التغيّر المناخي.

على سبيل المثال، حسب الإتحاد الأوروبي إن معايير الطاقة لمجففات الملابس ستتمكن من “توفير لحدّ 3.3 تيراواط ساعي من الكهرباء بحلول عام 2020، ما يُعادل إستهلاك مالطا للطاقة”. 20 ولكن ما قدر استخدام الطاقة المُتفادى لو استعمل كل أوروبي حَبل غسيل بدل مجفّف للملابس بحلول عام 2020؟ لا تسأل الإتحاد الأوروربي لأنّه لم يحسب الطاقة المتجنّبة لحبال الغسيل.

View original image View dithered image

لا يحسب الإتحاد الأوروبي أو حتى الوكالة الدوليّة للطاقة كفاءة الطاقة والطاقة المُتجنّبة للدراجات الهوائية، المثاقب اليدويّة، أو الملابس الداخليّة الحراريّة. ومع ذلك، لو إعتُمِدَت حبال الغسيل جديًّا كبديل، لا يُمكن بالتالي أخذ الطاقة “المُتدخرة” من مجففات الملابس الأكثر كفاءة بالحسبان وإعتبارها “طاقة مُتَجَنَّبة” أو حتى وقود. بالطريقة عينها، تُقوِّض الدراجات الهوائية والملابس صُلب فكرة حساب “الطاقة المُتَجَنَّبة” للسيارات وغلّايات التدفئة المركزيّة الأكثر كفاءة.

مفاهيم غير مُستادمة للخدمة

بالتالي، تكمن المشكلة في فعاليّة سياسات كفاءة الطاقة على إعادة إنتاج وتثبيت مفاهيم غير مستدامة للخدمة. 11 إن قياس كفاءة الطاقة للسيارات ومجففات الملابس من ناحية وليس للدراجات الهوائيّة وحبال الغسيل من ناحية أُخرى يجعل السُبُل السريعة والجائعة للطاقة للنقل وتجفيف الملابس غير قابلة للنقاش ويهمّش البدائل الأكثر استدامة. وِفقًا لشوف:

“إنّ سياسات كفاءة الطاقة غير مثيرة للجدل سياسيًّا وذلك بالتحديد لأنّها تعتبر الترجمة الحاليّة للـ"خدمة” أمرًا مفروغًا منه… بسبب قدرته على الحفاظ أو توسيع أنماط الحياة الجائعة للطاقة - عبر مبدأ مُعادلة الخدمات الضروري-، يشكّل التركيز الأعمى على كفاءة الطاقة إشكاليّة. يخالف ذلك مبدأ المفعول الإرتدادي القائل أنّ المنافع من كفاءة الطاقة يُعوّض عنها في مجالٍ آخر." 11

بالفعل، يستوعب مبدأ كفاءة الطاقة نمو إضافي لخدمات الطاقة بسهولة. إن جميع االإبتكارات والإضافات المستقبليّة ممكن تعريضها لمُقاربة الكفاءة. على سبيل المثال، لو أصبح سخان الفناء والدش المَطير “عاديّين” (أي شائعين)، سيُمكن دمجهما في سياسة كفاءة الطاقة الموجودة حاليًّأ - وعند حدوث ذلك، ستُعتبر مشكلة إستخدامهما للطاقة تحت السيطرة. في الوقت عينه، إنّ قياس ومقارنة كفاءة سخانات الفناء والدشات المطيرة يُساعد على جعلهما أكثر “شيوعًا”. علاوةً على ذلك، إن إضافة منتجات إلى لائحة المنتجات التي تغطّيها الكفاءة سيزيد إستخدام الطاقة “المُتَجَنّب” عبر كفاءة الطاقة.

باختصار، لا يأخذ الإتحاد الأوروبي أو الوكالة الدوليّة للطاقة “الطاقة المُتجَنَبَة” بعين الإعتبار في حال اتّباع وسائل مختلفة، او الإمتناع عنها أصلًا – علمًا أنّ تلك الوسائل قد تكون أكثر قدرة على تخفيف الطلب على الطاقة. 11 منذ بداية الثورة الصناعية، حصل توسّع ضخم في إستخدامات الطاقة وفي تحويل أشكال الطاقة البشريّة إلى أشكالٍ ميكانيكيّة. ورغم أنّ هذه النزعات تزيد الطلب على الطاقة باستمرار، فإنّ قياس تلك النزعات غير ممكن من خلال مبدأ كفاءة الطاقة.

كما تُبرهن شوف، لا يمكن حلّ هذه المشكلة، لأنّ قياس كفاءة الطاقة يحتاج إلى معيار الخدمة المُعادِلة فقط –أي الخدمة التي تؤدّي إلى النتيجة نفسها. بدلًا عن ذلك، تُحاجج شوف أنّ التحدّي هو في “مناقشة وتوسيع مفاهيم الخدمة والإنخراط جديًّا بالطُرُق التي تتطوّر فيها”. 11

نحو سياسة طاقة غير كفوءة؟

لدينا العديد من الطُرُق للهروب من عالم كفاءة الطاقة الموازي. أولًّا، في حين أنّ كفاءة الطاقة تعيق التخفيف الكبير للطلب على الطاقة على المدى الطويل، عكس ذلك صحيح أيضًا – أي إنّ التخفيف من كفاءة الطاقة لكل شيء سيقلُب النمو في خدمات الطاقة ويخفف الطلب عليها.

على سبيل المثال، لو استبدلنا محرّكات سيارات الدفع الرباعي الحديثة بمحرّكات إحتراق داخلي من ستينات القرن العشرين، سيرتفع إستخدام الوقود لكل كيلومتر قيادة بشكلٍ كبير عن ما هو اليوم. ولن يتمكّن سوى القليل من الناس تحمّل مصروف قيادة تلك السيارات، وستضطر الأكثريّة إلى استبدال سياراتهم بمركبات أصغر، أخفّ، وأقل قوّة، أو حتى تخفيف القيادة.

إنّ التخفيف من كفاءة الطاقة لكل شيء سيقلُب النمو في خدمات الطاقة ويخفف الطلب على الطاقة.

كما أنّ إستخدام غلّايات تدفئة مركزيّة ذات كفاءة متدنيّة، سيرفع تكاليف تدفئة المنازل الكبيرة بمعايير الراحة ليومنا هذا لدرجة لا يستطيع معظم الناس تحمّلها. سيُضطرون حينئذٍ إلى البحث عن حلول بديلة لتحقيق الراحة الحراريّة، كتدفئة غرفة واحدة فقط، إرتداء ملابس أكثر دفءًا، إستخدام أجهزة تدفئة شخصيّة، أو الإنتقال إلى منزل أصغر.

تؤكّد الأبحاث الأخيرة في تدفئة المباني أنّ تدنّي الكفاءة يستطيع توفير الطاقة. فحصت دراسة ألمانيّة تصنيفات أداء الطاقة المُحتسبة لـ3,400 منزل وقارنتها مع إستهلاك الطاقة الحقيقي. 18 بالتماشي مع حُجّة الإرتداد، وجد الباحثون أن سكّان المنازل الأعلى كفاءةً (75 كيلوواط ساعي/متر مربّع/سنة) يستخدمون بمعدّل 30% طاقة أكثر من التصنيف المُحتسب. أما في المنازل الأقل كفاءةً، لوحِظَ مفعول ما قبل الإرتداد المُعاكس: يستخدم الناس طاقة أقل من ما حُسِبَ في النموذج، ومع تدنّي كفاءة المنزل، تكبُر هذه الفجوة. في المنازل الأسوأ من ناحية كفاءة الطاقة (500 كيلوواط ساعي/متر مربّع/سنة)، إنخفض إستخدام الطاقة 60% عن المُعدّل المُحتسب.

من الكفاءة إلى الإكتفاء؟

رغم أنّ التخلّص من - او عكس - سياسة كفاءة الطاقة سيوفّر طاقة أكثر من الإستمرار بها، ثمّة خيار آخر مثير للإهتمام وقد يوفّر طاقة أكثر. للحصول على مقاربة عمليّة للسياسة، علينا إتمام الكفاءة باستراتيجية “الإكتفاء” او ربما نسجهما سويًّا. تهدف كفاءة الطاقة إلى زيادة نسبة محصول الخدمات لمدخول الطاقة مع الحفاظ على المحصول ثابت على الأقل. بالمقابل، الإكتفاء بالطاقة هو استراتيجيّة تهدف إلى تخفيف النمو في خدمات الطاقة. 4 بالمضمون، هذا الأمر هو عودة إلى سياسات “التقشّف” في سبعينات القرن الماضي. 13

قد يتضمّن الإكتفاء تقليلًا للخدمات (ضوء أقل، سفر أقل، سرعة أقل، حرارة أدنى داخل المباني، منازل أصغر)، أو تبديل للخدمات (دراجة هوائية بدل السيارة، حبل غسيل بدل مجفّف الغسيل، ملابس داخليّة حراريّة بدل التدفئة المركزيّة). على عكس كفاءة الطاقة، لا يُمكن التعبير عن أهداف سياسة الإكتفاء باستخدام متغيّرات نسبيّة (كالكيلوواط ساعي/متر مربّع/سنة). يُرَكَّز بدل ذلك على متغيّرات مُطلَقة كالتخفيف من إنبعاثات الكربون، استخدام الوقود الأحفوري، او واردات النفط. 19 على عكس كفاءة الطاقة، لا يُمكن التعريف عن الإكتفاء وقياسه عبر فحص نوع واحد من المنتجات وذلك لأنّه يمكن للإكتفاء أن يتضمّن عدّة أشكال من الإستبدال. 20 تُعَرَّف سياسة الإكتفاء وتُقاس بما يقوم به الناس فعلًا.

تطوير سياسة إكتفاء من دون سياسة كفاءة موازية مُمكن، ولكنه يمكن لدمجهما معًا أن يعود بمدخرات أكبر للطاقة. تُضيف شوف أنّ الخطوة المُفتاح هنا هي التفكير بكفاءة الطاقة كوسيلة بدل كهدف بحدّ ذاته. 12 على سبيل المثال، تخيلوا كَم من الطاقة مُمكن توفيرها لو استخدمنا غلّاية كفوءة لتدفئة غرفة واحدة على حرارة 16 درجة مؤيّة، أو لو استخدمنا محرّك كفوء على سيارة أخف وزنًا، أو لو مزجنا بين دش كفوء واستحمام أقصر وأقل. ومع أنّ كفاءة الطاقة تُعتبر استراتيجيّة ناجحة، إلّا أنّ تطوير مبدأ الإكتفاء كقوّة هامّة في السياسة هو إصدار أحكام بشأن المعايير: التمييز بين الإستهلاك الكافي والإستهلاك الفائض. 21 إنّ تحديد معايير للإستهلاك مثير للجدل، وقد يكون استبداديًّا، في ظلّ توفّر مصدر الوقود الأحفوري الرخيص.

كرِس دي دَكِر

الرسوم بقلم دييغو مَرموليهو


  1. “Energy Efficiency”, European Commission. https://ec.europa.eu/energy/en/topics/energy-efficiency ↩︎ ↩︎ ↩︎

  2. “Energy Efficiency”, International Energy Association (IEA). https://www.iea.org/topics/energyefficiency/ ↩︎

  3. Sorrell, Steve. “Reducing energy demand: A review of issues, challenges and approaches.” Renewable and Sustainable Energy Reviews 47 (2015): 74-82. http://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S1364032115001471 ↩︎ ↩︎

  4. Brischke, Lars-Arvid, et al. Energy sufficiency in private households enabled by adequate appliances. Wuppertal Institut für Klima, Umwelt, Energie, 2015. https://epub.wupperinst.org/frontdoor/deliver/index/docId/5932/file/5932_Brischke.pdf ↩︎ ↩︎

  5. “Poor people’s Energy Outlook 2016”, Practical Action, 2016. https://policy.practicalaction.org/policy-themes/energy/poor-peoples-energy-outlook/poor-people-s-energy-outlook-2016 ↩︎

  6. “Energy use (kg of oil equivalent per capita)”, World Bank, 2014. https://data.worldbank.org/indicator/EG.USE.PCAP.KG.OE ↩︎ ↩︎

  7. Alcott, Blake. “Jevons’ paradox.” Ecological economics 54.1 (2005): 9-21. https://pdfs.semanticscholar.org/f247/b8fae38e0c46bb9d1020b0be0d589db28446.pdf ↩︎

  8. Sorrell, Steve. “The Rebound Effect: an assessment of the evidence for economy-wide energy savings from improved energy efficiency.” (2007). http://ukerc.rl.ac.uk/UCAT/PUBLICATIONS/The_Rebound_Effect_An_Assessment_of_the_Evidence_for_Economy-wide_Energy_Savings_from_Improved_Energy_Efficiency.pdf ↩︎ ↩︎

  9. Kyba, Christopher CM, et al. “Artificially lit surface of Earth at night increasing in radiance and extent.” Science advances 3.11 (2017): e1701528. http://advances.sciencemag.org/content/3/11/e1701528.full?intcmp=trendmd-adv; Tsao, Jeffrey Y., et al. “Solid-state lighting: an energy-economics perspective.” Journal of Physics D: Applied Physics 43.35 (2010): 354001. http://siteresources.worldbank.org/INTEAER/Resources/Sao.Simmons.pdf ↩︎

  10. Gillingham, Kenneth, et al. “Energy policy: The rebound effect is overplayed.” Nature 493.7433 (2013): 475-476. http://environment.yale.edu/kotchen/pubs/rebound.pdf ↩︎

  11. Shove, Elizabeth. “What is wrong with energy efficiency?.” Building Research & Information (2017): 1-11. http://www.tandfonline.com/doi/full/10.1080/09613218.2017.1361746 ↩︎ ↩︎ ↩︎ ↩︎ ↩︎ ↩︎ ↩︎ ↩︎ ↩︎

  12. Calwell, Is efficient sufficient? Report for the European Council for an Energy Efficient Economy. http://www.eceee.org/static/media/uploads/site-2/policy-areas/sufficiency/eceee_Progressive_Efficiency.pdf ↩︎

  13. Lutzenhiser, Loren. “Through the energy efficiency looking glass.” Energy Research & Social Science 1 (2014): 141-151. http://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S2214629614000255 ↩︎ ↩︎ ↩︎

  14. Good Practice in Energy Efficiency: for a sustainable, safer and more competitive Europe. European Commission, 2017. ↩︎

  15. Capturing the Multiple Benefits of Energy Efficiency. IEA, 2014. https://www.iea.org/Textbase/npsum/MultipleBenefits2014SUM.pdf ↩︎

  16. How (not) to resolve the energy crisis, Low-tech Magazine, Kris De Decker, 2009. https://solar.lowtechmagazine.com/2009/11/how-not-to-resolve-the-energy-crisis/ ↩︎

  17. Peeters, Paul, J. Middel, and A. Hoolhorst. “Fuel efficiency of commercial aircraft.” An overview of historical and future trends (2005). https://www.transportenvironment.org/publications/fuel-efficiency-commercial-aircraft-overview-historical-and-future-trends ↩︎

  18. Sunikka-Blank, Minna, and Ray Galvin. “Introducing the prebound effect: the gap between performance and actual energy consumption.” Building Research & Information 40.3 (2012): 260-273. http://www.tandfonline.com/doi/full/10.1080/09613218.2012.690952 ↩︎

  19. Harris, Jeffrey, et al. “Towards a sustainable energy balance: progressive efficiency and the return of energy conservation.” Energy efficiency 1.3 (2008): 175-188. https://pubarchive.lbl.gov/islandora/object/ir%3A150324/datastream/PDF/view ↩︎

  20. Thomas, Stefan, et al. Energy sufficiency policy: an evolution of energy efficiency policy or radically new approaches?. Wuppertal Institut für Klima, Umwelt, Energie, 2015. https://epub.wupperinst.org/frontdoor/deliver/index/docId/5922/file/5922_Thomas.pdf ↩︎

  21. Darby, Sarah. “Enough is as good as a feast–sufficiency as policy.” Proceedings, European Council for an Energy-Efficient Economy. La Colle sur Loup, 2007. https://pdfs.semanticscholar.org/8e68/c68ace130104ef6fc0f736339ff34b253509.pdf ↩︎